مازالت فوضي الأسعار وغياب رقابة الدولة بالليل والنهار جعلها تبيعنا للمحتكريين .. والحكومة تعتبر الشعب المصرى تكاليف زائدة لابد من تخفيضها ،اختفاء السلع وجشع التجار سببه تعويم الجنية فى مقابل الدولار مع عدم وجود رقابة كافية لضبط السوق
كل يوم هناك ألف سبب لارتفاع الأسعار والمدهش حد العجب أن الارتفاع أخذ شكل المتوالية الهندسية وليس المتوالية العددية، وسبب ذلك هو ما تفعله حكومة المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء، وما تتخذه من قرارات دائما تدفع السوق إلي الارتفاع، والأنكي من ذلك أن انعدام فعل هذه الحكومة وعدم اتخاذها للقرارات المطلوبة يصبان في نفس اتجاه ارتفاع الأسعار، وكأن الحكومة في فعلها وصمتها تسعي لخلق الأزمات الاجتماعية ورفع أسعار السلع الإستراتيجية، وإدخال شرائح جديدة من المصريين في دائرة جهنمية من المشاكل الحياتية يصعب الفكاك منها .
انا مؤمن بأن أي قرار اقتصادي يشبه جرعة الدواء في أن لها آثارا جانبية، وأنها تعالج مرضا وقد تسبب أمراضا أخري, فإن القرار الاقتصادي الناجح هو الذي يحدد الروشتة التي تقضي علي الألم الاقتصادي بأقل الأضرار. ومتيقن بأن القرار الاقتصادي الصحيح اليوم قد يكون هو القرار الخطأ في المستقبل، فإن نجاح متخذ القرار يكمن في القدرة علي خلق حالة من التوازن بين مصالح جميع القطاعات في المجتمع، الدولة والتجار والصناع والمستهلكين ، لكن واقع الحال في مصر يؤكد أن حكومة شريف إسماعيل لا تعي البروتوكولات الدولية للقرارات العلاجية للاقتصاد، ولا تدرك الحالة المرضية للاقتصاد المصري، وتعمل وفقا للنظريات الحاكمة لحقول التجارب الاقتصادية، رغم أن حياة المصريين البالغ عددهم أكثر من 100 مليون نسمة، لا تحتمل عبث العابثين وانعدام كفاءة المسئولين.
وربما كان قرار رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل القاضي برفع الجمارك البالغ نسبتها 30 % عن الدواجن المستوردة، في نفس اليوم الذي اتخذ فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارا جمهوريا بزيادة نسب الجمارك علي نحو 364 سلعة، بنسب تراوحت ما بين 40% إلي 70% أكبر دليل علي مدي التخبط الذي يعيشه الاقتصاد المصري, والسؤال: لماذا تأخرت قرارات السياسة المالية بفرض رسم وارد علي الواردات التي لها مثيل محلي ولم تتخذ مع قرارات تحرير سعر الصرف؟ إذا كانت الدولة تهدف إلي الحد من الاستيراد وزيادة رصيد العملة الصعبة؟ ولماذا تسرعت الحكومة في اتخاذ قرار رفع الجمارك عن الدواجن المستوردة ثم تراجعت عنها؟ وفي نفس السياق لماذا تسرعت الدولة في اتخاذ قرار تعويم الجنيه يوم 3 نوفمبر 2016 ولم تنتظر إلي أول شهر ديسمبر، الذي سيبدأ فيه العمل بالتبادل التجاري بين مصر والصين بالجنيه واليوان .
الشاهد أن الأسئلة السابقة تكشف إلي أي مدي ارتكبت الدولة خطيئة التوقيت الخطأ، رغم أن القرارات الاقتصادية في معظمها صحيحة وفقا لمنهج الرأسمالية الذي تسعي الدولة إلي تطبيقه، لكن المؤكد أن القائمين علي الأمر ليست لديهم رؤية واضحة وأهداف محددة ولم يطرحوا علي أنفسهم سؤال ماذا نريد؟ وكيف يمكن تحقيق ما نريد؟ وما السبل الكفيلة لتحقيق ذلك؟ ولنا أن نتخيل ماذا لو كانت الدولة اتخذت قرار تحرير سعر الصرف ورفع أسعار الفائدة مع بداية شهر ديسمبر موعد بدء التبادل التجاري بين مصر والصين بالعملة المحلية؟ إضافة إلي قرار رفع نسبة الجمارك علي نحو 364 سلعة؟ هل كانت أسعار السلع والخدمات سترتفع؟ هل كان سعر الدولار سيصل إلي 17 جنيها و65 قرشا ؟ أعتقد أن الإجابة المؤكدة بأن أوضاع السوق كانت ستكون أفضل مما هي عليه الآن بكثير، لأن الاستيراد سيتوقف في نفس يوم تحرير سعر الصرف، وأن مصر ستوفر أكثر من 12 مليار دولار سنويا حصيلة وارداتها من الصين. ألم يكن هذا كفيلا بتخفيض سعر الدولار لانعدام الطلب عليه تقريبا بعد رفع الجمارك علي السلع وزيادة المعروض منه؟
قرارات حكومة شريف الاقتصادية تشبه إلي حد كبير قيام طبيب بشق بطن المريض فقط لإجراء عملية جراحية وترك المريض ينزف, الحكومة تتعامل مع الشعب وفقا للرأسمالية المتوحشة التي تؤمن بها علي أنه تكاليف إضافية ولا بد من تخفيضها، رغم أن الشعب قوة اقتصادية جبارة وشريك أساسي في أي تقدم . ولنا أن نقرأ قرارات الحكومة الأخيرة ونسب ارتفاع الأسعار بعد كل قرار، نذكر ماذا حدث للسوق بعد إعلان الحكومة تغير مسمي ضريبة المبيعات إلي القيمة المضافة, ارتفعت الأسعار بنسبة 30% قبل تطبيق القانون وذهبت الأرباح إلي جيوب المحتكرين ومصاصي الدماء من التجار والسماسرة، ولم يدخل جنيه واحد إلي خزينة الدولة، ثم بعد تطبيق الضريبة ارتفعت الأسعار بنسبة من 4% إلي 8%، ومع قرار تخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار إلي 888 قرشا ارتفعت الأسعار بنسبة 20% علي الأقل، وبعد تحرير سعر الصرف انفلت السوق وبات بلا رقيب في فوضي لا مثيل لها وسط عجز تام من الحكومة أو بالأحري، انفلت السوق برعاية حكومة شريف إسماعيل، وما زاد الطين بلة قرار رفع نسب الجمارك علي 364 سلعة ارتفعت الأسعار لكل السلع المخزنة بالمخازن بنفس نسب الجمارك، والأنكي والأمرّ أن المنتج المحلي ارتفع بنفس سعر المنتج المستورد المحمل بسعر الدولار المرتفع وسعر الجمارك الجديدة.
والسؤال الذي لا بد من طرحه للدولة أين هو المنتج المحلي؟ وإن وجد هل هو بنفس جودة المنتج الأجنبي؟ وهل المنتج المحلي يحظي برعاية ودعم الحكومة التي وضعت الخطط والإستراتيجيات الكفيلة بزيادة حصة المنتجات المحلية التي يحتاجها السوق، والأخري القابلة للتصدير للخارج بسعر منافس وجودة عالية. أم أن كل القرارات التي اتخذتها الحكومة تأتي في سياق اعتبار الشعب تكاليف إضافية لا بد من تخفيضها؟ الشاهد أن ضبط الأسعار يتطلب إرادة سياسية واضحة مؤمنة بالعدالة الاجتماعية مع عودة الدولة لسوق السلع الإستراتيجية وأن تزيد حصتها على 60% من خلال الشركة القابضة للصناعات الغذائية التي تضم نحو 28 شركة كفيلة بالاستيراد والتصنيع لكل دول العالم وليس مصر فقط، واتخاذ قرار جمهوري بمنع اتحاد الغرف التجارية والصناعية من استيراد أية سلع غذائية نيابة عن الدولة أو لصالح وزارة التموين .
وأن يقتصر استيراد السلع الغذائية من الخارج أو شراؤها من الداخل مسئولية الحكومة وشركاتها, إضافة إلي تحديد هامش ربح لا يزيد على 25 % فوق كلفة المنتج للقطاع الخاص، وذلك من خلال قانون يصدره البرلمان وليس القرار الإداري الذي أصدره شريف إسماعيل ومات قبل أن ينفذ، مع إصدار قانون فورا لتشجيع المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، به مادة واحدة فقط، تنص علي عقوبة تصل إلي السجن 20 سنه وغرامة تساوي قيمه السلعة محل الاحتكار ومصادرتها وأن لا تزيد حصة أي فرد أو شركة في السوق على 15%، وأن نلغي مقولة ليس المهم الاحتكار ولكن الأهم الممارسات الاحتكارية التي باتت مقدسة، إضافة إلي رقابة صارمة من شبة الدولة علي الأسواق وعلي التجار، وأن ننقل القوانين الرأسمالية من أي دولة رأسمالية كاملة ونحارب الاحتكار بمزيد من الرأسمالية أي بمزيد من المنافسة.